صلاة الفاتح

صلاة الفاتح

الجزائر * الزاوية التيجاية عين ماضي

الجزائر *  الزاوية التيجاية  عين ماضي

dimanche 5 juin 2011

{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً }الجن16

{وَأَلَّوِ  اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً }الجن16
                        مفهوم الطريقة
لسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ،ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، ثم الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبحه ومن سار على دربه إلى يوم الدين أن التصوف جليل القدر عظيم النفع أنواره لامعة وثماره يانعة فهو يزكي النفس من الدنس ويطهر الأنفاس منالأرجاس ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن وخلاصته اتباع شرع الله وتسليم الأمور كلها لله والالتجاء في كل الشئون إليه مع الرضى بالمقدّر من غير إهمال في واجب ولا مقاربة لمحظور.وقد أطلق اصطلاح التصوف على الزهاد ، والفقراء ، والعباد ، والملهمين ، والمحدثين ، والسياحين ، والملامتية ، وأهل العزلة ،وأهل الصمت ، وأهل الخلوة ، وأهل الذكر ، وأهل الإرشادالتصوف الإسلامي هو مقام الإحسان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" أنتعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
التصوف هو"التخلى عن كل دَنِى ، والتحلى بكلى سَنى سلوكاً إلى مراتب القرب والوصول ، فهو إعادة بناء الإنسان ، وربطه بمولاه فى كل فكر ، وقول ، وعمل ، ونية ، وفى كل موقع من مواقع الإنسانية فى الحياة العامة "ويمكن تلخيص هذا التعريف فى كلمة واحدة ، هى :( التقوى ) فى أرقى مستويات الحسية ،والمعنوية
فالتقوى عقيدة ، وخٌلق ، فهى معاملة الله بحسن العبادة ، ومعاملة العبادة بحسن الخلق ، وهذا الاعتبار هو ما نزل به الوحى على كل نبى ، وعليه تدور حقوق الإنسانية الرفيعة فى الإسلاموروح التقوى هو( التزكى ) ( قد افلح من تزكى)سورةالاعلي الايه 14و ( قد أفلح من زكاها) سورة الشمس ايه 9
وبهذا المعنى تستطيع أن تستيقن بأن التصوف قد مُورس فعلاً فى العهد النبوى ، والصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم . وقد امتاز التصوف مثلاً بالدعوة ، والجهاد ، والخلق ، والذكر ،والفكر ، والزهد فى الفضول ، وكلها من مكونات التقوى( أو التزكى )وبهذا يكون التصوف مما جاء به الوحى ، ومما نزل به القرآن، ومما حثت عليه السنة ، فهو مقام (الإحسان ) فيها . كما أنه مقام التقوى فى القرآن والإحسان فى الحديث : مقامُ الربانية الإسلامية ، قال تعالى :( كونواربانيين بكا كنتم تعلمون الكتاب بما كنتم تدرسون )" سورة آل عمران ، الآية : 79
والتصوف
( التصوف الجد في السلوك الي ملك الملوك)وقيل:(التصوف الموافقة للحق)وقيل:-(انما سميت الصوفية صوفية لصفاء اسرارها ونقاء ءاثارها)وقال بشربن الحارث(الصوفي من صفاقلبة لله)وقد سئل الإمام أبو علي الرَوْذباري عن الصوفي فقال"من لبس الصوف على الصفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم)"وسئل الإمام سهل بن عبد الله التُّستَري عن الصوفي فأجاب"من صفا عن الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والمدر"وقال الشيغ محمّد ميارة المالكي في شرح المرشد المعين"في اشتقاق التصوف أقوال إذ حاصله اتصاف بالمحامد، وترك للأوصاف المذمومة، وقيلمن الصفاء قال القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى(التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية)[على هامش "الرسالة القشيرية" ص توفي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري سنة 929هـويقول الشيخ أحمد زروق رحمه الله:(التصوف علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل، وحفظ النظام، وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد" لتحقيق المقدمات بالبراهين، وتحلية الإيمان بالإيقان، كالطب لحفظ الأبدان، وكالنحولإصلاح اللسان إلى غير ذلك) ["قواعد التصوف" قاعدة 13 ص 6 لأبي العباس أحمد الشهير بزروق الفاسي، ولد سنة 846هـ بمدينة فاس، وتوفي سنة 899هـ في طرابلس الغرب].قال سيد الطائفتين الإمام الجنيد رحمه الله:(التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني ص22. توفي الإمام الجنيد سنة 297هـ].وقال بعضهم:(التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني ص22، توفي الإمام الجنيد سنة 297هـ].وقال أبوالحسن الشاذلي رحمه الله:(التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية) ["نور التحقيق" للعلامة حامد صقر ص93. توفي أبو الحسن سنة 656هـ في مصر].وقال ابنعجيبة رحمه الله:(التصوف: هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل،وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة ["معراج التشوف إلى حقائق التصوف لأحمد بن عجيبة الحسني .وقال صاحب "كشف الظنون":(هو علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم) إلى أن قال:علم التصوف علمٌ ليس يعرفه إلا أخو فطنةٍ بالحق معروفُوليس يعرفه مَنْ ليس يشهده وكيف يشهد ضوءَ الشمسِ مكفوفُ["كشف الظنون" للعلامة حاجي خليفة ج1/ص413 ـ414].وقال الشيخ زروق في قواعد التصوف:(وقد حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى، وإنما هي وجوه فيه) ["قواعد التصوف" ص2].فعماد التصوف تصفية القلب من أوضاع المادة، وقوامه صلة الإنسان بالخالق العظيم، فالصوفي من صفا قلبه لله وصفتْ لله معاملته، فصفت له من الله تعالى كرامته.والتصوفمبني على الكتاب والسنةكما قال سيد الطائفة الصوفية الجنيد البغدادي رضي الله عنه"طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه إلاعلىالمقتفين ءاثار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)"وقال الامام تاج الدين السبكي"ونرى أن طريق الشيخ الجنيد وصحبه مقوَّم" وقال سهل التُّستَري رضي الله عن" أصول مذهبنا- يعني الصوفية- ثلاثة: الاقتداء بالنبي (صلّى الله عليه وسلّم) في الأخلاقوالأفعال، والاكل من الحلال، وإخلاص النيّة في جميع الأفعال"وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه"ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخَالة"،وانما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾وقال الامام احمد الرفاعي رضي الله عنه للقطب أبي اسحاق ابراهيم الأعزب رضي الله عنه"ما أخذ جدك طريقًا لله إلا اتباع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فإنمن صحت صحبته مع سرِّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) اتبع ءادابه وأخلاقه وشريعتهوسنته، ومن سقط من هذه الوجوه فقد سلك سبيل الهالكين" اهـ، وقال أيضًا: "واعلمأن كل طريقة تخالف الشريعة فهي زندقة" اهـ، وقال رضي الله عنه أيضا: "الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه " .وقد حكى العارف بالله الشعرانيفي مقدمة كتابه الطبقات إجماع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الصوفية إلا من تبحر في علم الشريعة وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها وناسخها ومنسوخها، وتبحر في لغة العرب حتى عرف مَجازاتها واستِعاراتِها وغير ذلك.و الاختلاف فى تعريف التصوف.فهو راجع إلى منازل الرجال فى معارج السلوك ، فكل واحد منهم ترجم أساسه فى مقامه ، وهو لا يتعارض أبداً مقام سواه ؛ فإن الحقيقة واحدة ، وهى كالبستان الجامع ،كلٌ سالك وقف تحت شجرةمنها فوصفها ، ولم يقل إنه ليس بالبستان شجرٌ سواهاومهما اختلفت التعريفات ، فإنها تلتقىعند رتبة من التزكى والتقوى : أى الربانية الإسلامية ، أى ( التصوف ) على طريق الهجرة إلى الله ( ففرواإلى الله إنى لكم منه نذير مبين ) "سورة الذرايات ، الآية 50 وقال : ( إنى مهاجر إلى ربى )" سورة العنكبوت ، الآية : 26 " .فالواقع أنها جميعاً تعريف واحد ، يُكمل بعضه بعضاًوإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنه لم يُسمع في عهد الصحابة والتابعين مردود، إذ كثيرٌ من الاصطلاحات أحدثت بعد زمان الصحابة، واستُعملت ولم تُنكَر، كالنحو والفقه والمنطق.وعلى كلٌّ فإننا لا نهتم بالتعابير والألفاظ، بقَدْرِ اهتمامنا بالحقائق والأسس. ونحن إذ ندعو إلىالتصوف إنما نقصد به تزكية النفوس وصفاء القلوب، وإصلاح الأخلاق، والوصول إلى مرتبة الإحسان، نحن نسميذلك تصوفاً. وإن شئت فسمه الجانب الروحي في الإسلام، أو الجانب الإحساني، أو الجانب الأخلاقي، أو سمه ما شئت مما يتفق مع حقيقته وجوهره؛ إلاَّ أن علماء الأمة قد توارثوا اسم التصوف وحقيقته عن أسلافهم من المرشدين منذ صدرالإسلام حتى يومنا هذا، فصار عُرفاً فيهم.والسلام عليكم ورحمه الله وبركات

فقه الطريقة

تقديم الأستاذ : سيّدي أحمد محمد الحافظ التجاني : شيخ الطريقة التجانية بجمهورية مصر العربية



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه ، ولعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ورضي الله تبارك وتعالى عن شيخنا سيّدي أحمد التجاني وعنّا به ، آمين ، وبعد :
بدايةً يجب تقديم الشكر إلى السيّد رئيس الجمهورية ، ومعالي وزير الشؤون الدينية والأوقاف ، والسيّد رئيس الحكومة ، والسيّد والي ولاية الأغواط ، وسائر من نظّموا هذا الحفل المبارك ، والذي جمعوا فيه أكثر من سبعة وعشرين دولة ، السادة التجانية ، وشيوخ الطريقة التجانية في هذه الدول جميعا . هذا الجمع الطيّب نواةٌ لِجمعِ كلمة المسلمين إن شاء الله تعالى .
ثمّ فوق ذلك ندعو لسماحة شيخنا ، وخليفة الطريقة التجانية في العالم الإسلامي ، بالصحّة ، والتوفيق في هذه المهمّة الصعبة ، ولسائر أحفاد شيخنا رضي الله عنهم . السادة الحضور جميعا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سلاماً تامّاً عامّاً يحُفّكم ، وآلكم ، وأنجالكم ، وأحبابكم ، ومحبّيكم ، وكلّ ما هو منكم وإليكم ، وبعد :
  1. الطريقة التجانية نشأتها وتطوّرها

  2. قال تعالى :  وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا  (1) . ورَد عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي أيّوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : « حلّوا أنفسكم بالطاعة والْبسوها قناع المخافة واجعلوا آخرتكم لأنفسكم وسعيكم لمستقرّكم واعلموا أنّكم عن قليل راحلون وإلى الله صائرون ، ولا يغني عنكم هنالك إلاّ صالح عمل قدّمتموه أو حسن ثواب حزتموه . إنكم إنما تقدمون على ما قدّمتم وتجازون على ما أسلفتم ولا تخدعنّكم زخارف دنيا دنيّة عن مراتب جنات عالية فكأن قد كشف القناع وارتفع الإرتياب وقرّ كلّ امرئ مستقرّه وعرف مثواه ومقيله . » وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها » . كنت سمعه : أيّ أنّ الله عزّ وجلّ يمدّه بنور في سمعه فيسمع القريب والبعيد . كنت بصره : أيّ أنّ الله عزّ وجلّ يمدّه بنور في بصره فيرى القريب والبعيد . وهناك أمثلة كثيرة لهذا الأمر . سيّدنا عمر عندما وقف على المنبر وقال : يا سارية الجبل الجبل ، كلّ الجنود المسلمين صعدوا إلى الجبل وانتصر الإسلام . مَن الذي أراه موقع سارية ؟ الله عزّ وجلّ . الروح لا يحدّها زمن ولا مكان ولا مسافة . وعلى كتاب الله وسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ورُؤى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، بنى شيخنا الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضوان الله عليه طريقته ابتغاء مرضاة الله ، والفرار إليه عن كلّ ما سواه ، وكمال العبودية لله تبارك وتعالى . وقد ورد في جواهر المعاني ص 51 طبعة الحلبى عام 1380 هــ / 1961 م الآتي :
    في عام 1196 هــ نزل الشيخ سيدي أحمد التجاني بقرية القطب الكبير سيّدي أبي سمغون ، ثمّ سافر منها إلى بلاد توات فلقي بعض الأولياء بها وأخذ عنهم ، واستفادوا منه علوما وأسرارا في الطريق ، ثمّ رجع إلى قرية أبي سمغون وأقام بها ، وفيها وقع له الفتح ، وأذِنَ له صلّى الله عليه وسلّم في تلقين الخلق بعد أن كان فارّاً من ملاقاتهم لاعتنائه بنفسه وعدم ادّعاء المشيخة إلى أن وقع له الإذن منه صلّى الله عليه وسلّم يقظة لا مناما ـ كما ذكر ذلك السابقون الذين تحدّثوا قبلي ـ بتربية الخلق على العموم والإطلاق ، وعيّنَ له الورد الذي يلقّنه وذلك في سنة 1196 هـ . فقد عيّن له صلّى الله عليه وسلّم الإستغفار والصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم ، وهذا كان أصل الورد في تلك المدّة إلى رأس المائة أكمل له صلّى الله عليه وسلّم الورد بكلمة الإخلاص . فعند ذلك تنزّل للخلق والإفادة ، وإظهار الطريقة والإستفادة ، وهذا بعد إخباره بعُلوّ مقامه ، وارتفاع قدره ومكانه ، وأخبره عليه الصلاة والسلام بفضل هذا الورد وقدره ، وما أعدّه الله لمن أحبّه من أتباعه وحزبه ، وفتح الله له على يديه صلّى الله عليه وسلّم ، وأخبره أنّه هو مربّيه وكافله ، وقال له : " لا مِنّة لمخلوق عليك من أشياخ الطريق ، فأنا واسطتك ومُمِدّكَ على التحقيق ، فاترك عنك جميع ما أخذت من جميع الطرق ، والزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس " .
    وأوراد هذه الطريقة في جميع هذه الدول الحاضرة هي واحدة . إذا ذهبتَ إلى أيّ بلدة من هذه البلاد ، وتحضر ذكر الوظيفة ، هو هو في كلّ مكان ولله الحمد ، لا يختلف . هذه ميزة في الطريقة التجانية : أنّ وردها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . ومعلوم عند أهل الطريق أنّ مَن كان فتحه على يديه صلّى الله عليه وسلّم كان أرفع قدرا ، وأعظم شأنا ، وهذا الفتح والفيض منه صلّى الله عليه وسلّم وقع على رأس المائة الثانية بعد الألف بأبي سمغون والشلالة ، ومن ذلك الوقت تترادف على شيخنا الشيخ سيّدي أحمد التجاني ، قدّس الله روحه ، الأنوار والأسرار والتجلّيات والترقّيات ، وبدأت الوفود تَرِدُ عليه من جميع النواحي والأقطار للأخذ عنه ، وزيارته رضي الله عنه ، والإستفادة من علومه ومعارفه وآدابه المحمّدية .
  3. منهج الطريقة في التربية الروحية            
  4. أجمع العلماء والفضلاء في عصر الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه على تعظيمه وتوقيره وتقديره ، فقد أنتهت إليه رياسة الأمر في تربية السالكين ، وتهذيب المريدين وحلّ مشكلاتهم ، وتوجيههم الوجهة السليمة في خضمّ هذه الحياة وصولا إلى المحبّة الصادقة لله ولرسوله وللمسلمين عامّة ، ولإخوانه في الطريق خاصّة ، حيث أن طريقة الشيخ سيّدي أحمد التجاني رضي الله عنه تقوم على أساس متين من تجريد النفوس من غواشي الظلمة ، وتصفيتها من كدورات المادّة ، والسير بها إلى العالم الروحاني ، والتجريد الملكوتي ، حتى تكون بحيث لا تؤثّر فيها المادة ولا غيرها ، بل يتعدّى صفاؤها إلى الكثيف فتلطّفه ، يمدّها الحقّ بنوره فترى وتسمع ، وتسكن وتتحرّك ، وتعلم وتأخذ وتترك بفضل الله عزّ وجلّ ، اصطفاها الله فصفّاها فاتّخذت مع الرحمن ودّا . وفي الحديث : « اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله » . وقد أمرنا بتزكية نفوسنا وترويضها وتهذيبها ، قال تعالى :  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا  (2) وقال أيضا :  وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ  (3) ، وحثّنا صلّى الله عليه وسلّم على حسن الصحبة لِما لها من الأثر الجميل في التزكية ، وحدّثنا عن التائب الذي قتل مائة نفس ثم استشار عالما فأشار عليه أن انطلق إلى أرض كذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ثمّ كان نهايته إلى الرحمة ، رواه البخاري ومسلم . وكذلك قال صلّى الله عليه وسلّم : « إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إمّا أن يحذيك وإمّا أن تبتاع منه وإمّا أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك وإمّا أن تجد منه ريحا خبيثة » . فالطريق مدرسة يجتمع فيها الإخوان متحابّين في الله على كتاب الله وسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . والعلم يرفع نقيصة واحدة : هي الجهل ، وتبقى باقي النقائص ، كحبّ النفس ، وحبّ الرئاسة ، والرياء والبخل والحقد والحسد وغيرها من النقائص . كلّ هذه النقائص تحتاج إلى تهذيب ، وتدريب إلى إصلاحها ، وذلك دور الطريقة التجانية ، من عصر الشيخ سيّدي أحمد التجاني ، شيخا عن شيخ ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . هذا دور الطريقة في تهذيب النفوس وتزكيتها ، وتصحيح الوجهة إلى الله عزّ وجلّ .
  5. شيوخ الطريقة التجانية رسل محبة وسلام وإحسان
  6. مجمل كلّ طريق في السير إلى الله عزّ وجلّ هو طلب الفرار إليه عن كلّ ما سواه ، وكمال العبودية له تبارك وتعالى ، ومن لم يكن على هذا المنهج فنسبته إلى الطريق باطلة ، وعلى المرء أن لا يدع نفسه في ظلمة المعصية والبعد عن الحقّ ، بل يجب عليه أن يعالج نفسه بصحبة الصالحين ، أولئك الأطبّاء الروحيون ، أهل الحق العارفون بالله ، وخاصّته الذين أكرمهم الله ، وهيّأهم لإرشاد الخلق ونصحهم وتوجيههم لما يحبّه ويرضاه . وحسب الإنسان أن يصحب شيخا أو طبيبا من هؤلاء الأطبّاء ، فكلّهم رسل محبّة في الله وفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجمعون الناس على طاعة الله ، وطاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ومراقبة الله في جميع أوقاتهم . إلهي أنت شاهدي ، إلهي أنت ناظري ، إلهي أنت رقيب عليّ . إذا تمكّن هذا المفهوم في قلب الإنسان صَلُحَ حاله بإذن الله تعالى . قال تعالى : « من سرّه أن يجد طعم الإيمان فليحبّ العبد لا يحبّه إلاّ لله » سنن أبو داوود ، ويقول الحقّ عزّ وجلّ في الحديث القدسي : « أين المتحابّون في جلالي اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي » صحيح مسلم في البرّ والصلة والآداب ـ في فضل الحبّ في الله . وأيضا : « حقّت محبّتي للمتحابّين في " مسند الإمام أحمد ، واللفظ له ، وعند مالك : وجبت محبّتي للمتحابّبين في وللمتزاورين في وللمتباذلين في » . هؤلاء الشيوخ الأفاضل يبيّنون لأبنائهم وتلاميذهم ومريديهم الأمور الثلاثة التي جمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، محبّة الله ، ومحبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ومحبّة آل بيته الكرام ، في حديث واحد يرويه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قائلا : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه ، وأحبّوني لحبّ الله ، وأحبّوا أهل بيتي بحبّي » الإمام الترمذي في المناقب ـ مناقب آل البيت ، وقال تعالى :  قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ  (4) ، فاتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دليل على صدق المحبّة في الله ، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إن أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإن نهيتكم عن شيء فانتهوا » . تلكم نبذة وقبس من كتاب الله ، وهَدْي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهدي به شيوخ الطريقة التيجانية الأماجد ، فهُمْ يحضّون المريدين والمحبّين على مكارم الأخلاق ، والتحاب في الله ، والتزاور في الله ، والتآخي في الله ، مع التكافل الإجتماعي ، والإجتهاد في الوصول إلى مرتبة الإحسان كما قال صلّى الله عليه وسلّم : « أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك » . هذا ، وإنّ هذا المؤتمر المبارك يمثّل اجتماع هذه الوحدات المتحابّة من أنحاء العالم الإسلامي لتبادل المعرفة ، ومناقشة أمور المسلمين ، والتعارف فيما بينهم ، قال تعالى :  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  (5) ، ويقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلاّ بالتقوى » صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . ختاما أرفع إلى معاليكم باسمي ، وباسم السادة التيجانية بجمهورية مصر العربية ، وباسم مشيخة الطرق الصوفية ، خالص الشكر ، وعظيم الإمتنان إلى حضرة صاحب الفخامة السيّد الرئيس بوتفليقة ، وإليكم سيّدي معالي وزير الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر ، وإلى معالي السيد عبد القادر حجار سفير الجزائر بالقاهرة ، وسائر السادة الأفاضل منظّمي هذا المؤتمر فردا فردا ، سائلا المولى جلّ وعلا أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم ، وأن يديم على هذه البلاد الأمن والأمان ، والرقيّ والإزدهار تحت رعاية رئيسها المبارك ، وحكومتها المظفّرة ، وسائر بلاد المسلمين ، وأن يؤلّف بين قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأن يجعل هذا المؤتمر نواة لجمع كلمة المسلمين واتحادهم ، فهُمْ أوْلى من غيرهم ، قال تعالى :  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا  (6) ، وأوّل الغيث قطرة ، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة .
وفّقكم الله جميعا ، وشكر الله لكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته